2 - مساعدة الكتاب في بناء عالم في رواية خيالية

(المحتوي في الاسفل منقول الغرض الوحيد منه هو مساعدة الكتاب ولم أكتب منه شيئاً)

-مرحلة بناء العوالم :

تعاريف هامة :

العوالم الخيالية imaginary worlds :

العوالم الخيالية هي عبارة عن عوالم مختلفة تماما عن عالمنا الحالي . تتميز العوالم الخيالية بأنها موطن أحداث الرواية و هي تكون عادة في كواكب مختلفة عن كوكبنا و في زمن مختلف عن زماننا .. ومن أشهر الأمثلة على تلك النوعية عوالم أمير الخواتم الأرض الوسطى .

*العوالم الموازية parallel worlds :

العوالم الموازية عبارة عن عوالم خيالية تتواجد جنبا إلى جنب مع عالمنا الواقعي . و من أشهر الأمثلة على ذلك هي عوالم رولنج في سلسلتها هاري بوتر .

*العوالم البديلة alternate worlds :

تعتبر العوالم البديلة هي نفس العالم الذي نعيش فيه لكن مع اختلاف جوهري للغاية .. تغيير في نتيجة إحدى الأحداث الهامة و التي تؤدي بالتالي لتشكيل العالم بصورة مختلفة عما نحن عليه الآن . فعلى سبيل المثال لو جئنا بنتيجة الحرب العالمية الثانية و هزيمة ألمانيا على يد الحلفاء , و ما نتج عنه من تشكيل لقوى العالم و تنازعها فيما بينها لينتهي الوضع على ما هو عليه الآن , فلو افترضنا أنه في العالم البديل تم انتصار الألمان على الحلفاء .. فماذا يمكن أن يحدث ؟

هنا يتحول الأمر لكون العالم البديل كأنه نظير لعالمنا الواقعي لكنه يقع في مكان آخر , الأحداث التي تحدث لدينا يمكنها أن تحدث في العوالم البديلة بصورة أخرى بنتائج مختلفة مما يغير من تشكيل مصير العالم بالتأكيد .

ماذا تعني مرحلة بناء العوالم ؟

بداية يجب أن أوضح أن مرحلة بناء العوالم ليست بالشيء الجديد على الأدب الروائي , بل هي موجودة في كل جنس روائي خلاف الفانتازيا و الخيال العلمي , هي موجودة ضمن مرحلة أكبر تُعرف في تلك الأجناس الأخرى بمرحلة ” التحضير لما قبل الرواية ” .. و لكن بالنظر لمدى أهمية تلك المرحلة في الأدب الفانتازي و الخيال العلمي و مدى تطورها نجد أن كونها مرحلة خاصة بها أمر يستحق فعلا ..

لماذا أذكر هذا ؟

أقول هذا حتى أوضح أن بناء العوالم مرحلة يمكن أن تبدأ من أبسط الأشياء تحضيرا إلى أعقد الأشياء تحضيرا .. قد تحتوي رواية على تحضيرات بسيطة للغاية و بدائية في عالمها الخيالي .. لكنها لا تزال تحمل نفس المسمى بالطبع .. و ربما تصبح مرحلة بناء العوالم عملا مجهِدا للغاية للكاتب و معقدا بصورة كبيرة , لكن فوق كل شيء لا يزال يحمل نفس الاسم .. التنوع بين هذا و ذاك أمر هام للغاية لفهم الأمور القادمة ..

هل بناء العوالم شيء مخصص للفانتازيا فقط ؟

لاحظت من ردود الأخ مهند أنه ينظر لبناء العوالم على أنها مرحلة فانتازية بحتة ! الأمر ليس هكذا على الإطلاق . هناك بناء عوالم مخصص للفانتازيا و بناء عوالم آخر لا يختلف في أسسه كثيرا مخصصا للخيال العلمي .. و لهذا يجب توضيح الفارق بين وجهتي النظر المختلفتين ..

بناء العوالم في فن الخيال العلمي :

كما قلت سابقا فمرحلة بناء العوالم تعتبر مرحلة تطويرية لما كان ضمنيا في الماضي مرحلة التحضير ما قبل الرواية , و نظرا لأن المرحلة تلك تهتم بالرواية و تتبع أسسها , فمن المنطقي ان تكون مرحلة بناء العوالم في الخيال العلمي حاملة لبصمات الخيال العلمي ..

باختصار بسيط بناء العوالم في الخيال العلمي تعتمد على الأفكار ..

ماذا يعني ذلك ؟

دعونا نتحدث بصورة عملية قليلا ..

لنتصور أن لدينا رواية تدور أحداثها في مستعمرة خاصة في الفضاء .. و لتكن تلك المستعمرة على سطح القمر .. كيف أقوم ببناء عالم تلك المستعمرة و بالتالي روايتي ؟

أولا يجب أن أتسائل :

-متى تم بنائها ؟ وكيف ؟ ومن قام ببنائها ؟ و أين مكانها بالتحديد ؟ و لماذا هذا المكان ؟ و كم تبعد عن الأرض ؟ كم من الوقت يلزم لسفينة فضائية السفر من المستعمرة للأرض و العكس ؟ و هل توجد مستعمرات أخرى في القمر ؟ و ما هي علاقات المستعمرات ببعضها البعض ؟ وما المسافات بينها و بين أقرب المستعمرات إليها ؟

أود توضيح نقطة هامة قبل المتابعة ..

هنا حين نتحدث عن الوقت اللازم للسفر بين المستعمرة و الأرض يجب أن نضع في الحسبان أننا سنتحدث علميا .. و هذا ما يعني أننا سنحدد أولا سرعة مركبة الفضاء تلك , ثم نحدد المسافة واقعيا بين القمر و الأرض , ثم نقوم بحساب الوقت اللازم الذي تستغرقه المركبة .. أمر كهذا مهم بالطبع .. بل يجب أن نضع في الحسبان دوما أننا في الخيال العلمي نعتمد على العلم الأرضي الموجود بيننا .. لهذا أي شيء يجب أن يتم حسابه بدقة شديدة .. فلنتابع ..

بعد هذه الأسئلة البسيطة نتجه نحو أسئلة خاصة بالمستعمرة ذاتها :

ما مساحة المستعمرة ؟ كم عدد سكانها ؟ هل توجد جاذبية كالتي على القمر أم تم تعديلها ؟ و كيف تم تعديلها ( لاحظ أن السؤال هذا يجب الإجابة عليه بفرضيات علمية ) ؟ وكم أصبحت الجاذبية الجديدة ( ويجب أن نعلم أن الجاذبية تؤثر في أوزان الأجساد على الكوكب ) ؟ من أين يأكل الناس هناك ؟ ومن أين يشربون ؟ و كيف يأتي الهواء الذي يتنفسوه ؟

الأسئلة الثلاثة الأخيرة من الممكن أن يكون لدينا خيارات للإجابة عليها أبسطها أنه يتم إحضار الأشياء تلك من الأرض أو يتم تصنيعها من القمر .. لو كان من الأرض يجب تحديد الكمية التي يتم نقلها من الأرض للقمر في كل مرة و الزمن المستغرق لكل رحلة و كم رحلة تكون يوميا بين الاثنين .. و بالطبع التكلفة و من يمولها و كيف ؟ و لو كانت الإجابة هي الثانية فيجب أن نحدد طريقة تصنيعها من القمر .. و يجب ان تكون الفكرة منطقية و مقبولة و يا حبذا لو اعتمدت على فرضية علمية معينة ..

فلنتابع ..

ما سمك القبة الزجاجية التي تحمي المستعمرة ( يوجب حساب هذا أيضا لمعرفة أقل سمك ممكن لقبة زجاجية إن تم بناء مستعمرة في الفضاء ) ؟ وما هي المادة المصنوعة منها ؟ هل توجد روبوتات أو كائنات فضائية على سطح المستعمرة ؟ ما هو نظام الحكم فيها ؟ نظام الحياة الاجتماعية ؟ للسفر من و إلى المستعمرة هل يجب على الإنسان النوم لفترة معينة حتى تعتاد أجهزته البيولوجية على التغيرات ؟ ما هي الحالة الدفاعية للمستعمرة ؟ ومن أين يأتي الجنود ؟ وهل هناك ولاء للسكان للمستعمرة ؟ وهل تتبع المستعمرة كيانا سياسيا في الأرض ؟ ولم تم بناء المستعمرة في الأساس ؟ هل هناك ثورات داخلية في المستعمرة ؟

أعتقد أن هذا يكفي نوعا ما لتحضير عالم خاص بالخيال العلمي .. و كذلك لتوضيح مرحلة بناء العوالم هنا .. هل أدركت ما أرمي إليه ؟ كل هذه الأسئلة تحتاج عادة لإجابات مقنعة لها ترتيب تسلسلي منطقي نابع من فرضيات علمية أو حقائق علمية أو حتى توقعات علمية ( كالتكنولوجيا المتقدمة ) .. كل هذه الأسئلة تحتاج ” لأفكار ” للإجابة عليها و تحضير العالم في الخيال العلمي .. لهذا مرحلة البناء هنا مرحلة أفكار ..

بالقطع لست من عشاق الخيال العلمي و لم أكتبه أو أقرؤه يوما لهذا هناك من بينكم من هو أقدر مني على التوضيح و النقاش ..

نقطة أخيرة أحب توضيحها هنا ..

لو نظرنا للأمر على صورة روائية ضخمة .. سنجد أن بناء العوالم رغما عن الكاتب ينحصر في مكان معين بصورة مكثفة , و هذا لأن كل شيء في الرواية هنا يجب ان يكون خاضعا لتفسير منطقي نوعا وهو أمر مجهد بكل تأكيد .. لهذا أحب تشبيه بناء العوالم هنا بأنه برج ضخم على مساحة ضيقة من الأرض ..

ماذا عن بناء العوالم في الفانتازيا ؟

بناء العوالم في الفانتازيا له أسسه المختلفة نوعا عن تلك الموجودة في الخيال العلمي .. لكنه يشترك معه في الكثير و الكثير حقا ..

باختصار شديد بناء العوالم في الفانتازيا يعتمد على الخيال !

فبدءا من أبسط الأمور في التحضير العام للرواية نهاية بالتعقيدات الموجودة في بناء العوالم للفانتازيا الراقية نجد أن الجميع يشترك في أمر هام .. لا يوجد أساس علمي واقعي من عالمنا لكل هذا كله !

فأين الأساس لوجود جنس التنانين مثلا ؟ لوجود جزيرة تظهر نهارا و تختفي ليلا عن الأنظار ؟ لوجود سماء حمراء كالشفق نهارا و بيضاء ليلا ؟

بالقطع هذا لا يوجد أساس له على الإطلاق .. و هنا نجد الفارق الكبير بين بناء العوالم فانتازيا و بناءه خيال علميا .. هنا لا نهتم بالبحث وراء أسباب ظهور جنس التنانين في الأرض تلك .. و ما تسلسل الأحداث منذ ظهوره حتى الآن .. لا نكترث بالسبب الذي جعل الجزيرة تظهر نهارا و تختفي ليلا مع كونها جزيرة واحدة .. ولا نتكبد عناء التفسير للقارئ بوجود السماء الحمراء لأسباب كونية أو بيضاء لأسباب خداعية بصرية !

باختصار يكفينا أن نقول أن هذا هو قانون عالمنا الذي نحن فيه ! هذا هو عالم الرواية الفانتازي الذي يجب أن تتقبله !

ومن هنا يمكنني القول أن تقبل القارئ للفن الفانتازي يعتمد عادة على ثقته بوجود تلك الأمور الخارقة للواقع .. فإن لم يكن واثقا في الخيال فكيف يثق بما نكتبه ؟!

هذا عن الحديث إجمالا .. لكن ماذا عن الحديث تفصيلا ؟!

قلت أنه يتواجد عدة أنواع من العوالم في الرواية الفانتازية , و لا أعرف إن كانت موجودة أم لا في الروايات الخيالية علمية .. لكن أتمنى لمن لديه معرفة كبيرة بالأمر أن يناقشني فيه ..

فهل يختلف بناء العالم لكل نوع عن الآخر ؟ نعم بكل تأكيد ..

فبناء العوالم لعالم فانتازي خيالي مستقل تماما بذاته يختلف جذريا عن بناء العوالم لعالم موازي يتواجد جنبا إلى جنب مع عالمنا الواقعي , و كذلك الحال نفسه في بناء العوالم البديلة و أخيرا المركبة ..

لهذا سأتحدث عن بناء العوالم لكل نوع بالتفصيل ..

-بناء العوالم لعوالم خيالية مستقلة :

وهي أصعب الانواع و أكثرها تعقيدا .. ببساطة الرواية تدور أحداثها في عالم مختلف عن عالمنا .. بل لا يوجد في الأساس عالمنا ! و من هنا يمكننا التفكير في مرحلة بناء العوالم سويا من هذا المنظور ..

-الخرائط :

تعتبر الخرائط مرحلة أولية أساسية في العالم الفانتازي الجديد .. فعلى سبيل المثال كيف يمكن الحديث عن بناء عالم لا نعرف تضاريسه ولا حدوده ولا ملامحه جيدا ؟

رسم الخرائط مرحلة تتراوح من البساطة للتعقيد .. فمن بين الخرائط الموضحة بشكل عام لمكونات المناطق المختلفة في العالم إلى الخرائط المعقدة التي توضح نوعية التضاريس بالتفصيل في كل منطقة من مناطق العالم الجديد ..

عن نفسي قمت برسم خرائط بسيطة و متوسطة التعقيد .. لكن الخرائط المعقدة تلك لم أستطع القيام بها للأسف .. و هذا لأنه يتطلب مني دراسة قوية لعلم الجيولوجي و هذا لمعرفة نماذج مختلفة لتضاريس الطبيعة المتعددة ..

كيف أرسم خريطة ؟

سؤال بسيط لكن إجابته صعبة حقا .. كيف ترسم خريطة ؟ كن منظما في التفكير .. فأولا يجب أن تفكر في العالم الجديد ككل .. كيف يبدو ؟ لهذا من المنطقي أن ترسم خريطة عامة للعالم تحدد فيها تكويناته المختلفة .. بعدها تقوم برسم خرائط تفصيلية تدريجيا لكل منطقة من مناطق العالم الجديد ..

كيف أرسم الخريطة ؟

احضر ورقة رسم بيضاء .. قلم رصاص .. ألوان خشب ..

قم بتحديد نقاط عامة للعالم خاصتك .. و هذا بالإجابة على السؤال : هل سيكون العالم مسطحا أم كرويا ؟

بعد ذلك قم بالنظر نحو الورقة و تخيل أحداث روايتك و انثر بعدها نقاطا سوداء في الصفحة قم بتوصيلها لتخرج برسمة للخريطة ..

ربما تكون هناك فكرة عامة لشكل العالم في رأسك مع فكرة الرواية

وربما لا ..

لكن من المهم أن تعرف أن الكوكب – و أي كوكب – يحتوي على يابسة و ماء .. و اليابسة تتكون من قارات – جزر ضخمة – و جزء صغيرة .. و الماء يحيط باليابسة من كل الجهات ..

يجب أن تعرف أن عليك تسمية كل قارة باسم معين .. كل مجموعة جزء باسم خاص بها .. الجزء من الماء الواقع بين قارتين اسم خاص به .. و هنا أعتقد أن مرحلة الرسمة الأولى لعالمك قد انتهت ..

نتجه صوب التفصيل قليلا ..

بعد هذه الرسمة المبدئية تتجه صوب المناطق المختلفة للعالم .. ربما ترسم كل قارة على حدة .. ربما تقسم عالمك لأربعة مربعات و ترسم لكل مربع رسمة منفصلة .. و ربما يكون لك وجهة نظرك الخاصة ..

هذا كله لا يهم .. الأهم أنك يجب ان تعرف أن القارة شيء ضخم للغاية .. و كل قارة تتكون من مناطق .. كل منطقة تعتبر دولة خاضعة لاحد الأجناس المختلفة .. يجب ان تدرك أن كل قارة تحتوي على تضاريس مثل جبال و تلال و هضاب و أنهار و بحيرات و سهول و منخفضات و وديان و صحاري و غابات .. و يجب أن تدرك جيدا أن كل شيء ستضعه في الخريطة سيؤثر في الرواية .. لهذا لو كانت هناك صلة بين الحبكة الرئيسية لروايتك و بين الخريطة يجب أن تقوم بجعل الخريطة تتبع الحبكة هنا و ليس العكس ..

فمثلا ..

لو الحبكة الرئيسية معتمدة على وجود منطقة خفية في كل قارة يجب على الأبطال أن يحرروها .. و هذه المنطقة هي منطقة كانت موجودة في الاصل في القارة لكن تم إخفائها بقدرات سحرية شريرة ..

هذه إحدى حبكات روايتي بالمناسبة ..

لو فكرنا عميقا في الأمر سنجد ببساطة أننا لو جئنا على رسمة قارة بكل تفاصيلها و اقتطعنا جزءا من الأرض بعيدا و حاولنا رسم القارة مجددا بدون هذا الجزء سنلاحظ وجود سلسلة جبلية تنتهي بسهل فجأة ! أو نهر يصطدم بمنخفض مثلا ! و الملاحظ بصورة أكبر هو عدم وجود ظاهرة طبيعية واحدة ممتدة عبر القارة .. و هذا أمر طبيعي بالقطع .. لكن تخيل لو أنك لم تنتبه لهذا في أثناء عملية رسم الخرائط ؟ سيؤدي هذا لكارثة حتما .. هذا ما وددت توضيحه هنا ..

التفكير العميق يؤدي لأفكار جديدة .. هذا صحيح .. و هذا صحيح هنا أن الخرائط تعتبر منبعا لأفكار و حبكات ثانوية تثري من عمق الرواية .. لهذا حين ترسم الخرائط لتدون جانبا البيانات التي تنهال على رأسك حتى تحضرها في بناء العوالم فيما بعد ..

هل انتهينا من مرحلة الخرائط ؟

لا يتبقى لنا سوى مرحلة اختيار الأسماء .. وتم التحدث عنها في قسم الأسماء باذن الله ..

سأضع في نهاية الدراسة باذن الله صورا لخرائط قمت بها توضح تلك المراحل ..

-الأجناس المختلفة :

من النقاط المهمة في الفانتازيا تعدد الأجناس الموجودة فيها . فمن بين الأجناس تلك نجد الأجناس التقليدية مثل : التنانين – الأورك- الجن – الحوريات – الأقزام – السحرة – مصاصي الدماء – المستذئبين – العمالقة – الأشباح .. هذا ما برأسي حاليا ..

وهناك الأجناس الجديدة ..

ماذا عن الأجناس ؟

كما قلت أنه حين نقوم بعمل مرحلة الخرائط الهامة نجد أنه لدينا أفكار أو بيانات يجب أن نقوم بالتحضير لها .. ومن أبسطها هي ما يقطن كل قطعة من الأرض من الأجناس .. وهنا يأتي دور مرحلة الأجناس و توزيعها ..

بالطبع الأجناس و اختيارها يعتمد بصفة كبيرة على الحبكة الكلية و النظرة العامة للكاتب لروايته .. فهناك البعض ممن يقررون وجود الجنس البشري إضافة للسحرة و التنانين فقط في الرواية .. آخرين يختارون الأورك و الجن و الأقزام و السحرة .. البعض يختار الأجناس الجديدة و البشر و السحرة مثلا .. آخرين يمزجون هذا و ذاك بصور مختلفة .. هذا كله تنوع لا يهم .. ما يهم هنا أن الأجناس تتحدد بمعايير خاصة بالرواية بصفة أساسية ..

بعد هذا التحديد يقوم الكاتب بتحديد كل منطقة وما تحتويه من أجناس .. و من هنا يتجه نحو تحديد العلاقات الاجتماعية و السياسية و العسكرية بين الأجناس في كل منطقة و أخرى .. و منها يتجه صوب تطوير جديد وهو تحديد كيفية الحياة في تلك المناطق ؟ هل في مدن ؟ هل في قرى ؟ هل في الجبال ؟ هل يتم التحرك بالسفر كل يوم خوفا من تهديد ما ؟ وما هذا التهديد ؟

الأجناس مرحلة مهمة فعلا .. فحين تكون الورقة ممتلئة فقط برسومات و شخبطات توضح الأماكن الكبيرة بالعالم , نجد أنه للحديث عن جنس الأورك مثلا يتطلب وجود مدينة ضخمة خاصة بهم , و هنا نتسائل عن موقع تلك المدينة و نبحث عن مكان مناسب و نضع علامة خاصة بها , ثم نتجه صوب البحث عن اسم خاص لها , و ما أهم مميزاتها و .. إلخ .

قبل أن أنتهي من هنا أحب توضيح أن الأجناس القديمة قد يعتبرها البعض عملة مستهلكة للغاية .. لكن الأجناس الجديدة يخاطر الكاتب بعدم تقبل القارئ لها .. لهذا أنصح بالمزج بين الاثنين و عدم الخوف من التكرار .. فاستخدام جنس لا يعني بالضرورة أنك تتبع طريقة كاتب معين عدا جنسين فقط أحببت التنويه عنهما لأني لاحظت الحساسية الخاصة لهما :

-الأورك – الهوبيت

الاثنين خاصيين تماما لعالم تولكين .. و هذا لأنهما كانا من الأجناس الجديدة حينها و لاقا نجاحا كبيرا في الكتابات الروائية خاصته .. لهذا فالجنسين يعتبرهما الكثير مخاطرة لأي كاتب يستخدمهما .. فقط أحببت توضيح هذا الأمر ليس أكثر ..

ماذا عن نفسي ؟

عني أحب استخدام الأفكار الجديدة .. لهذا شرعت لتكوين و تطوير أجناس جديدة تماما أستخدمها في روايتي و بالطبع استخدمت اجناس قديمة مثل التنانين و السحرة و مصاصي الدماء و المستذئبين ..

-مرحلة المدن و القرى و الأنظمة الإجتماعية في العالم الفانتازي :

كما هو واضح من العنوان .. سنتحدث عن كيفية بناء مدينة في العالم الفانتازي ..

بصفة عامة المدن التي تحتاج لبناء هي المدن التي ستظهر في الرواية .. قد يبدو الأمر هذا منطقي تماما لكن في الأمور الإضافية سأتحدث عن أمور هامة قد لا تعرفها ..

مثلا :

على الأبطال الخروج من مدينة سيتوراس للذهاب لمدينة دوتفاير ثم منها لمدينة الرينتاروريين ..

هذا أيضا في روايتي .. لكن هل فهمت ما أريد قوله هنا ؟ في الحبكة الأساسية أو الحبكات الثانوية توجد مسميات لمدن مهمة يجب أن أفكر في تخطيطها و التحضير لها .. و هذا لأنها ستكون مهمة للغاية في سير أحداث روايتي ..

كيف أبني مدينة ؟

كما فعلت في بناء العوالم للخيال العلمي مع حذف مصطلح العلم هنا .. كل شيء يحدث لأنه يحدث هكذا .. كل شيء موجود لأنه موجود هكذا .. لا تفسير لأي شيء على الاطلاق ..

بالطبع ستبدأ بمرحلة الخرائط وهذا عن طريق رسم خريطة عامة و تفصيلية للمدينة .. ثم ستتجه نحو تحديد الأجناس التي بها .. ستحدد العلاقات بين الأجناس و بعضها داخل المدينة و بين من بالمدينة من وحولها .. ستحدد أمور مهمة مثل حاكم المدينة أين يسكن ؟ و المدينة هل لها سور أم لا ؟ وكيف يتم الدفاع عن المدينة ؟ صناعية هي أم زراعية ؟ وماذا تنتج ؟ نمط الحياة الأسرية و التربوية و الزواج بالمدينة .. التعليم .. هل هناك مدرسة لتعليم السحر ؟ مكان لتعليم ركوب التنانين ؟ من أين يأتي التنانين ؟ هل أهل المدينة ودودين ؟ هل ؟ هل ؟ هل ؟

فكر في أي سؤال قد يخطر على بالك .. انزل في شوارع مدينتك .. تفقد الأحوال الموجودة بها و كلما شاهدت شيئا تسائل في داخلك هل ستجد نفس الشيء في مدينة عالمك الفانتازي أم لا ؟

هل ستجد شحاذين ؟ هل ستجد مواسير صرف صحي ؟ هل ستجد حفائر خاصة بالآثار ؟ هل ستجد .. هل ستجد .. ؟ و هكذا ..

أي مدينة تتكون من أحياء و مناطق لها مسميات خاصة .. فلا تنسَ ملحوظة كتلك بالطبع ..

-مرحلة البناء التاريخي للعالم :

في رأيي هذا أهم ما يميز بناء العوالم الفانتازي عن الخيال العلمي .. البناء التاريخي للعالم ..

في الخيال العلمي أنت تقوم بالكتابة عن أحداث حدثت منذ عصرنا الحالي حتى بدء الرواية بصورة تخص فقط العالم الذي تدو فيه الرواية و الذي عادة ما يكون مستعمرة فضائية مثلا .. أعني أنه مكان محدود ..

لكن في الفانتازيا الأمر مختلف ..

في الفانتازيا أنت مطالب بوضع خط زمني لتاريخ طويل قد يمتد لآلاف السنين .. كما في أمير الخواتم و الذي استمر لأكثر من ثلاثة آلاف عام , و في روايتي لاكثر من عشرة آلاف عام , التاريخ لا يكون بتلك البساطة :

في عام كذا قامت حرب بين البشر و السحرة .. في عام كذا كان السلام ..

لا .. الأمر أكثر تعقيدا .. فالتاريخ يجب أن يتم وضعه كالتاريخ الطبيعي بالضبط .. و هذا ما يعني أنك يجب أن تتجه نحو الأجناس المختلفة .. بعدما تكون قد انتهيت من توزيع الأجناس على العالم .. ثم تقوم بوضع تصور لشكل العالم قبل فترة زمنية طويلة , لنقل ألفي عام , تقوم برسم خرائط مماثلة للخرائط التي قمت برسمها سابقا مع توضيح الفارق في الزمن .. فمثلا من ألفي عام لم تكن مدينة سيتوراس موجودة في حين كانت مدينة دوتفاير موجودة , منذ ألفي عام كان البشر يعيشون جنبا إلى جنب مع السحرة لكن الآن الوضع مختلف .. بعد ذلك عليك بكتابة تاريخ كامل عن كل جنس و عن كل مدينة و عن كل حدث هام قد وقع في التاريخ الخاص بهذا العالم .. وتاريخ تسلسلي للأحداث التي حدثت في العالم و التطورات الهامة في الفترة الزمنية الكبيرة تلك .

ما أهمية ذلك ؟

الأهمية عميقة .. تخيل معي أنك تتحدث عن شخصية في الرواية من جنس معين .. بدلا من النظر لتلك الشخصية بصورة مسطحة على أنها الشخصية صاحبة الأفكار الخاصة بها .. ستنظر لها على أنها سليلة جنس معين .. جنس تعرض لكذا و كذا و كذا .. وهنا يصبح عمق الشخصية لدى الكاتب محسوسا للغاية و بالتالي سيشعر به القارئ و يتلمسه .. هل أتكبد كل هذه المعاناة من أجل هدف كهذا ؟ نعم !

بل المفاجأة .. ربما تقوم بعمل مجهود ضخم في سبيل .. لا شيء !

ببساطة .. مرحلة البناء التاريخي للعالم الفانتازي مرحلة تختص ببناء العوالم الضخمة و المعقدة و التي تكون عادة في الفانتازيا الراقية ..

-بعض الأمور الإضافية في بناء العوالم :

*في البداية قلت أن مرحلة بناء العوالم تترواح بين البساطة و التعقيد .. فما العامل المحدد لذلك ؟

ببساطة الكاتب ..

حين يقرر الكاتب أن يكتب رواية بسيطة سريعة بعالم سطحي فهو يقرر في داخله أنه لن يقوم إلا بما يتطلبه منه الرواية و فقط ..

لكن هل هذا هو بناء العوالم الذي يتناقش حوله الكثيرين وحول مدى جدواه ؟

حقيقة لا .. النقاش حول مدى جدوى بناء العوالم مصطلح ارتبط عادة بالفانتازيا الراقية .. و المصطلح حين تم ربطه بها تم وضع كلمة ” المعقد ” بجواره .. نعم .. مرحلة بناء العوالم الفانتازية بصورة معقدة و مكثفة مرحلة مميزة للغاية للفانتازيا الراقية .. فما الفرق؟

هل يمكنك كتابة شيء خارج نطاق الرواية ولا تضعه داخلها ؟

صعب .. صعب أن تكتب شيئا ككاتب و تمنع نفسك من وضعه داخل الرواية ..

هنا أنت تفعل هذا الأمر ..

ببساطة أنت لا تفعل كل ما سبق في المناطق التي ستظهر في روايتك .. أنت تفعل كل ما سبق في كل شيء خاص بالعالم الفانتازي .. تحضر خرائط تفصيلية لمنطقة من العالم لن تظهر على الإطلاق أو ربما تظهر مرة واحدة كاسم فقط في الرواية .. تقوم بتحضير دليل كامل بأسماء جميع سكان كل مدينة و صفاتهم العامة و ألوان شعورهم و ما يميزهم و أوزانهم و أحجامهم .. تقوم بوصف تفصيلي لتاريخ كل جنس و مدينة و معركة في العالم الفانتازي ..

تفعل هذا كله .. وفي النهاية لا يظهر لقارئك سوى أمور بسيطة مقارنة بالمجهود الذي بذلته في البناء ..

بناء العوالم كالجبل الجليدي .. قمته الصغيرة تبرز من فوق سطح المياه في حين يبقى جسده الضخم مغمورا تحت سطح الماء .. هنا كذلك ..

كثير من الكتاب يجدون مرحلة بناء العوالم المكثفة و المعقدة تلك أمر معقد و غير مجدي .. لكن حين تنتهي من كتابة ملحمتك الفانتازية و تقوم بنشر كتاب مفصل أو سلسلة كتب خاصة بالعوالم الموجودة في ملحمتك .. حينها ستجد أن قارئك قد انغمس في عوالم روايتك بصورة لا مثيل لها .. هكذا علمنا تولكين .. و هكذا نتبع خطواته ..

* نقطة مهمة يجب أن أوضحها بصورة منفصلة و بصورة صريحة ..

مما سبق يتضح لك أن بناء العوالم في الفانتازيا مرحلة خيالية تامة .. لا وجود للعقل و المنطق فيها ..

هذه العبارة خاطئة تماما ..

الفانتازيا مثلها مثل الخيال العلمي مثلها مثل أي فن روائي آخر يجب أن يحتوي على التفكير المنطقي و العقلاني ..

إذن ما الوضع هنا ؟

ببساطة شديدة الفانتازيا لا تتبع الأسس العلمية الموجودة في عالمنا المعاصر .. ببساطة هي تخترع لنفسها أسسا علميا خاصة بها في العالم الفانتازي .. لكن كما في العالم الواقعي .. الأسس العلمية يتم تفسير الأحداث بها .. و في الخيال العلمي يجب اتباع تلك القواعد بصرامة .. ففي الفانتازيا يجب اتباع تلك القواعد و القوانين الجديدة بصرامة أيضا !

فمثلا ..

لو قلنا أنه في عالم ريبارتول الفانتازي توجد المياه ذو خاصية غريبة , حيث بها نوعا من السحر يمكنها من اتخاذ أي شكل من الأشكال و البقاء عليه و بالتالي يمكن لأي شخص السير عليها و هذا لمن يقوم بتشكيلها بعصاته السحرية ..

هنا أنت وضعت قانونا جديدا غير قوانين الطبيعة العادية للمياه في عالمنا .. لكن عليك هنا أن تسير وفق هذا القانون بالتأكيد ..

و كتطبيق عملي على هذا حين نجد في أحد مشاهد الرواية البطل يقف في مأزق حيث محبوبته المخطوفة بواسطة الأشرار موجودة على الطرف الآخر من البحيرة وهو يقف على شط تلك البحيرة و لا يوجد أي قارب هناك و في الوقت نفسه خلفه مجموعة من الأقزام المتحالفين مع الأعداء يقتربون منه , حينها يجب ألا أجعل البطل يخوض قتال مثلا معهم أو أنه يركض بعيدا عن المكان و أتجه لتكوين حبكة ثانوية خاصة لإنقاذ المحبوبة .. بل ببساطة شديدة كل ما على البطل هو تحريك عصاته لتتكون مرتفع بسيط من المياه يصلح للقفز فوقه ثم يقفز فوق آخر في سرعة و رشاقة حتى يصل إلى الشط الآخر ..

كمثال آخر من روايتي ..

لا يمكن أداء أي تعويذة سحرية عدا التعاويذ الأسطورية – تحضير السيف الأسطوري و الفرس الأسطوري و الترس الأسطوري و الدرع الأسطوري – فقط في أرض الكويو .. لهذا حين يجب على أبطالي السفر في أرض الكويو الشاسعة نحو أهداف خاصة .. لهذا لا يمكن لهم أن يستخدموا المكانس الطائرة للتنقل السريع بعيدا عن مخاطر الطريق و تجنبا لمشاكل عديدة ..

هكذا هو الحال في أي موضع من الرواية الفانتازية .. ما إن تضع قانون في الرواية حتى تلتزم به كأنه قانون حقيقي خاص في الواقع لديك .. لهذا نظرا لكثرة القواعد و القوانين أنصحك بفتح مجلد خاص بالقوانين تلك تكتب فيها القانون و نصه و أين يطبق وماذا يفعل و نظرتك عن دوره في الرواية حتى لا تنسى أحد القوانين في زخم القوانين الكثيرة التي ستمتلئ بها الرواية في مراحل متقدمة منها ..

لا أدري إن كنت قد أوفيت كافة النقاط حقها أو قد أغفلت نقطة من النقاط .. لكني أعتقد أنني قد أوضحت النقاط الأساسية في بناء العوالم الفانتازية المستقلة بذاتها ..

بناء العوالم في العوالم الموازية :

بصفة عامة الأسس الخاصة ببناء العوالم الفانتازية هي نفسها ما هو موجود بالأعلى .. لكن سيتم التحدث بنظرةأخرى في كل نقطة من النقاط السابقة ..

قبل الخوض في تلك التفاصيل يجب أن ندرك أن وجود عوالم موازية يعني بالضرورة وجود عالمنا الواقعي جنبا إلى جنب مع عالم آخر مختلف لا نعرفه و مجهول عنا .. عالم واحد على الأقل من العوالم الخيالية .. و ربما أكثر ..

لو نظرنا مثلا لعالم هاري بوتر سنجد أن عالمنا الواقعي متواجد بالرواية كما نعلمه دون تغيير .. لكن في الوقت نفسه يتواجد العالم السحري جنبا إلى جنب مع عالمنا الواقعي دون أن نشعر بوجوده ..

في سلسلة أفلام underworld نجد أن عالمنا الواقعي متواجد جنبا إلى جنب مع عالم مصاصي الدماء و عالم المستذئبين و هنا عالمين خياليين جنبا إلى جنب مع عالمنا الواقعي دون أن ندري شيئا ..

بالنسبة لي ككاتب فانتازي أرى أن الاتجاه صوب الكتابة بتلك الطريقة لها مميزاتها و عيوبها ..

فمن المميزات أن الكاتب يتيقن من تجاوزه لمشكلة عدم تقبل القارئ لواقع الخيال البحت في كل شيء بالعالم في الرواية .. فالقارئ على الرغم من أنه يبحث دوما عن الجديد يبحث أيضا عن الذي اعتاده و ألفه .. فإن لم يجد ما هو يعرفه ربما لن تعجبه الرواية .. و هذا أمر يجعل من الأفكار التقليدية أمرا حتميا لاستخدامها في نسيج أي رواية مهما كانت ..

فبالمزج بين عالمنا الواقعي و بين العالم السحري الجديد يصبح لدى الكاتب مرونة في إقناع قارئه بوجود هذه العوالم .. بل و ربما يجعل القارئ يؤمن بوجود هذه العوالم من الأساس إن أتقن الكاتب حبك قصته .. وهذه ميزة أخرى قد لاحظتها بين عشاق هاري بوتر الذين ذهب بعضهم لوضع نظريات فرضية لإمكانية وجود العالم السحري و التاريخ السحري الذي نسجته رولنج .. وحاولوا إثباتها !

الميزة التالية هي أن الكاتب ليس مضطرا للخوض في تفاصيل بناء العوالم المعقدة في العوالم الخيالية المستقلة بذاتها .. و هنا تكون ميزة لأن الكاتب سيستريح نفسيا من الضغط الهائل الذي تمثله تلك المرحلة في الكتابة .. و في الوقت نفسه تعتبر عيبا لأن الكاتب يفقد العمق القوي في قصته و القدرة على الكتابة بثقة شديدة و فوق هذا كله عدم مقدرة الكاتب لجعل قارئه يغوص أكثر و أكثر في أعماق روايته ..

بالمناسبة .. مرحلة بناء العوالم حين تكون معقدة للغاية هي حلم لأي كاتب فانتازي في رأيي الشخصي , أو حلم لي على الأقل أحاول تحقيقه , لكن السبب وراء الاندفاع خلف تلك الطريقة المرهقة غير معلوم لي بعد .. لكنه شغف داخل نفسي ككاتب يدفعني دفعا لمحاولة الكتابة بتلك الطريقة الأسطورية .. لكن ربما البعض لا يجد فيها أي متعة على الإطلاق .. و أخيرا القارئ يشارك الكاتب الشغف في قراءة تفاصيل معقدة عن العوالم التي عاشها داخل رحاب رواياته ..

العيب التالي هو أنه إن لم يتقنع القارئ بتعليل الكاتب لوجود العالمين سويا جنبا إلى جنب دون أن يعرف – وهو ينتمي للعالم الواقعي – بوجود مثل هذا العالم الخيالي , فهذا يعني ببساطة تدمير الرواية ! وهي نقطة سأتحدث عنها بالتفصيل حالا ..

بالنسبة لبناء العوالم الموازية يمكنني الحديث عن تلك النقاط توضيحا لتلك المرحلة :

-توضيح العلاقة بين العالمين و أثر ذلك على العالم الفانتازي و إعداده :

حقيقة هذه أهم نقطة على الإطلاق في بناء العوالم الموازية في رأيي .. ولو فشلت فالكاتب قد فشل بجدارة .. و لو نجحت فالكاتب قد ينجح في روايته ..

ماذا تعني تلك المرحلة ؟

إن افترضنا أننا سنتحدث عن عالم فانتازي متواجد جنبا إلى جنب مع عالمنا الواقعي ..

السؤال البديهي هو : هل نعرف نحن بوجود هذا العالم ؟ بالطبع لا لأنك كقارئ لا تعلم بوجود عالم يعيش به السحرة مثلا أو المستذئبين .. و إن كانت تلك الأساطير تضفي بعض من المصادقية حين نتحدث عن تلك الأجناس نوعا لكن في النهاية هي ليست موجودة !

هنا نجد أن السؤال التالي الذي يدور في نفس القارئ هو : كيف يتواجد عالم آخر خلاف عالمي الواقعي دون أن أدري شيئا ؟!

هنا مكمن الصعوبة في العوالم الموازية .. على الكاتب أن يفكر جديا و مليا في التفسيرات ” و ليس مجرد تفسير ” لعدم معرفته بوجود عالم فانتازي جنبا إلى جنب مع عالمه الواقعي .. على الكاتب أن يفكر بعمق شديد .. أن يفكر بعدة مراحل في التفسير و ألا يجعل التفسير مجرد : العالم موجود جنب عالمك بسبب كذا فقط !

يجب ألا تستخف بقدرة قارئك على التفكير .. بل القارئ – كما سأوضح لاحقا – قد يكون ذكيا جدا خاصة لو أعجبته روايتك .. حينها ستكون في مأزق كبير لو شعر قارئك أنك قد خدعته بصورة سخيفة بمبررات ليست قوية على الإطلاق ..

دعونا نتحدث عمليا أكثر ..

ماذا عن عالم هاري بوتر الموازي ؟

قدمت رولنج التفسير في عدة مستويات لوجود عالم موزاي تماما للعالم الواقعي ..

-أولا : على مستوى الأفراد .. قامت بتوضيح أن الكثيرين يعتبرون وجود ساحر في عائلتهم عارا يجب ألا يتحدثوا عنه .. و يجب ألا يعرف أحد شيئا .. و هذا ظهر في شخصية عائلة درسلي التي تعتني بهاري بوتر ..

أما عن الأفراد الذين يعتبرون وجود ساحر في العائلة أمرا يجب أن يفتخرون به , فأوضحت أن الأمر يكون سرا بينهم فقط .. في حين يكون الأهل سعداء بتلك الهبة الجديدة في عائلتهم قد يكون الأخوات كذلك سعداء و قد لا .. و كانت ليلى بوتر و بتونيا درسلي مثالا عمليا على النمط الأخير ..

هنا استطاعت رولنج أن تضرب أمثلة و نماذج عملية للأفراد و تعاملاتهم بمنطقية واضحة للغاية .. و حقا أحسدها على مقدرة كتلك !

-ثانيا : على مستوى العالم السحري نفسه .. أوضحت رولنج أن العالم السحري يعتمد على تعاويذ تخفيه عن أعين العامة – أفراد العالم الواقعي – كذلك أوضحت وجود قسم خاص في الوزارة لمسح ذاكرة العامة الذين يرون أحداثا سحرية .. وهنا مزجت رولنج بين الواقعية و المنطقية في التفكير و بين الأسباب .. فمن المنطقي وجود أخطاء في أي نظام مهما كان محكما .. ووجود نظام لمعالجة ذلك الخلل من أحد أفضل الحلول في نظري و أبسطها لمواجهة تلك الأعطال ..

-ثالثا : على مستوى الانتقال لمدرسة هوجوورتس – وهي من الأماكن الرئيسية بالسلسلة لمن لم يطلع عليها بعد – جعلت رولنج وسيلة الانتقال هي القطار – حتى لا تخوض في تفاصيل وسائل انتقالية معقدة – و وضعت حيلة بسيطة للدخول نحو هذا الرصيف الخفي تماما عن الأعين .. بالطبع الوسيلة كانت جيدة .. و المدرسة نفسها تم إخفائها بعدد من التعاويذ المعقدة التي تجعل من يقترب منها يتذكر أنه قد نسى أمرا هاما و عليه بالرحيل .. اختيارها لهذه الحجة أمر ذكي لأن هناك أمور تجعل الإنسان يغير من خططه و من أحدها ذلك العذر .. بل تعمقت أكثر لتوضح فيما بعد أن المدارس السحرية مخفية عن أفراد العالم السحري ذاته .. فلا يعرف أحد أين تقع هوجوورتس ولا أين تقع دارمسترانج مثلا ..

هنا وضعت رولنج مستوى معقد نوعا للتعليل بإخفاء العالم السحري .. لكن كان أعلى المستويات – في نظري – حبكة هو جعلها رئيس وزراء العامة عارفا بوجود العالم السحري .. بل و جعلت العالم السحري يدافع عنه .. و أوضحت ببساطة لماذا لن يخبر رئيس الوزراء هذا أحدا كما لم يخبر من سبقه أحد أنه ببساطة لن يصدقه أحد ! تعليل بسيط للدرجة التي تجعله معقدا في نظري .. ووجود مثل هذا التعاون قد يفسر الكثير و الكثير من الأخطاء في محاولة إخفاء العالم السحري عن العالم الواقعي بالطبع ..

و أخيرا التفسير الأهم فوق هذا كله .. لماذا في الأساس العالم السحري مخفي عن العالم الواقعي ؟

استخدمت رولنج حوادث محارق الساحرات لتضفي على الرواية صفة الواقعية و المنطقية من جهة , و تجيب على هذا السؤال من جهة أخرى .. حركة ذكية و جيدة بالطبع .. و أشك في وجود سبب آخر قالته لكني لا أتذكر هل موجود في السلسلة أم قرأته في أحد سلاسل المعجبين ..

ما أود قوله هنا هو أن تلك المرحلة مرحلة حساسة للغاية .. يجب أن يفكر الكاتب مليا في التفسيرات .. يجب أن يضع عدة مستويات للتفسيرات تناسب مستويات مختلفة للتفكير .. يجب كذلك أن تكون أمينا مع نفسك .. أنت تفكر كما يفكر القراء في الغالب .. حاول أن تعرف نقاط ضعفك بكل أمانة و فكر كيف تسدها .. لا تقنع نفسك أنها غير مهمة أو أنك قد سددتها جيدا و أنت تدرك في داخلك العكس .. فإن لم تفعل و الرواية بين يديك سيفعلها قرائك و الرواية بين أيديهم .. و هذا موقف لا أحب كاتب أن يقع فيه على الإطلاق ..

-الخرائط :

نفس ما سبق لكن مع ملاحظة هامة للغاية :

الرواية تدور على أرض الواقع .. لهذا يجب أن تكون لديك خرائط خاصة بالمنطقة التي تدور فيها الأحداث في أرض الواقع .. و تفسير كذلك لكيفية تواجد الأماكن في الواقع – كما حدث في منزل جريمولد بليس مثلا –

-الأجناس :

بالطبع سيكون في ذهنك الجنس الذي ستتحدث عنه .. هنا يجب أن تفكر في أبعاد إجتماعية و أخلاقية للجنس ذاك بصورة عميقة بالطبع ..

-التاريخ :

حقيقة الجزء التاريخي هنا مهم .. و أهميته تعود لأنه سيكون جزءا من التعليل بإخفاء العالم الخيالي عن العالم الواقعي بالطبع .. فعلى سبيل المثال حوادث محارق الساحرات حوادث جعلت العالم السحري يختفي عن أعين العالم الواقعي .. كذلك يجب التفكير في تداخلات عديدة بين العالمين الجديدين .. فهي ستفيد الرواية بلا شك ..

بناء العوالم في العوالم البديلة :

لا أملك الكثير من المعلومات هنا .. فقط ما أتصوره هو ضرورة وجود تتابع زمني دقيق لما يحدث منذ الانحراف في نتائج حادثة تاريخية حتى يوم بدء الرواية ..

لا يتبقى في نظري سوى أمر مهم للغاية فضلت تركه حتى النهاية ..

-التماسك الداخلي للعوالم :

كلما زاد تعقيد العالم كلما زادت أخطاؤك ..

ماذا يعني التماسك الداخلي للعالم ؟

ببساطة هو عدم مخالفة شيء تقوله لأحد أسس عالمك .. أو معارضة نفسك بقول شيء يخالف شيء قلته من قبل ..

قد يبدو للوهلة الأولى الأمر بسيطا .. لكن الأمر ليس بتلك البساطة ..

طوال فترة الكتابة و التحضيرات المعقدة للعوالم يبقى في ذهن الكاتب خطر التعارض و التضاد .. لهذا يقوم دوما بمراجعة كل شيء يجده في طريقه , كل شيء يحاول كتابته .. عن نفسي أكره مرحلة التحضير دون كتابة .. لكن كثيرا ما أفتح عشر صفحات من الفصول و الصفحات التحضيرية و صفحات الشخصيات أمامي بجوار صفحة الفصل الجديد أو صفحة التحضير و أقوم بمراجعة كل شيء في هذه الفصول متعلق بما سأقوم بكتابته أو التحضير له .. هذا فقط كي لا يحدث تعارض بين الأمور الواضحة في العالم ..

لكن هذه ليست بمشكلة ..

المشكلة كلها تكمن حين يحب القارئ الرواية و العالم الجديد .. يحبها للدرجة التي تجعله يغوص في أعماق أعماق الرواية .. فيعيد قراءة الرواية مرة بعد مرة .. و يفكر في هذا و هذه و كيف حدث هذا و كيف حدثت هذه .. هنا يصبح الخطر الأعظم أن القارئ يقوم بالدمج بين التفاصيل الدقيقة و التفسيرات الكثيرة داخله ليخرج برؤى خاصة و نظريات جديدة .. قد يكتشف القارئ عيبا لم تكتشفه أنت .. قد يجد تضاربا بين تفاصيل دقيقة للغاية لم تفكر فيها من قبل .. لم تضع في حسبانك أنه سيفكر أحد بمثل تلك الدقة و العمق .. و قبل أن يندفع أحدهم للصراخ بضرورة أن يراعي الكاتب كل شيء .. يجب أن يعلم هذا المتحدث جيدا أن كاتب الرواية عليه مسئوليات جسيمة .. هو يقوم بعمل كل شيء كما يقدر عليه و في حدود إمكانياته .. لكنه بشر .. مهما وصل تعقيدات فكره و عقله هناك خلل و ثغرات لن يمكنه الوصول إليها .. بالطبع إن كانت هذه الثغرات في الهيكل الرئيسي للعالم يصبح الأمر عيبا و قصورا من الكاتب بالتأكيد .. لكن إن كانت الثغرات خلل في الأمور الداخلية و الدقيقة فالأمر ليس بيد الكاتب بالطبع ..

بالنسبة للأخطاء الشائعة التي كثيرا ما يقع فيها الكتاب هي هفوات الزمن .. صفات الشخصيات البسيطة .. القدرات البسيطة للشخصيات .. بعض الصفات الخاصة بمناطق معينة من العالم .. بعض التفاصيل الصغيرة في حوادث تاريخية قديمة ( لهذا يجب كتابة التاريخ جيدا قبل الحديث عنه ) .. تعارض في تفاصيل أماكن معينة يزورها الأبطال ( كذكر تفاصيل مكان على لسان أحد الشخصيات ثم حين يذهب البعض من الأبطال لهذا المكان يجد القراء اختلافا بسيطا في تفاصيله .. أو ربما كان على أحدهم مهمة إزالة شيء ما من هناك فحين يذهب الأبطال ينسى الكاتب تلك التفصيلة الصغيرة و يذكر هذا الشيء من تفاصيل المكان ) .. و هكذا ..

تلك الأمور عادة ما تأتي نتيجة التركيز الشديد في التفاصيل و الحبكات و الأحداث و إدارة الحوار و الألغاز .. لكن مع التركيز المتأني يمكن العثور عليها ..

عدم التماسك الداخلي للعالم شبح خطير يخاف منه الجميع خاصة من يكتب فانتازيا راقية ..

عن كيفية التعامل مع عدم الثبات الداخلي للعوالم :

يضرب لنا أورسون مثالا أعجبني حقا في توضيح كيف يخطئ الكتاب بالتفاصيل الصغيرة .. فمثلا إن افترضنا أنك تكتب رواية ما , و شخصيتك جاءت في الصباح في منطقة من الرواية و ارتدت ملابسها ووضعت رباطة عنق مخططة .. أنت وضعتها ليس لأي غرض سوى لإضفاء عامل الحيوية و الواقعية على الموقف .. بعد ذلك انشغلت بأمور خاصة سواء بحياتك أو بالرواية و عدت بعد عدة أيام لتتابع كتابة الفصل .. ثم بعد عدة صفحات و بعد عدة أيام أخرى وصلت لمنطقة غضب فيها شخصيتك بالعمل و قرر أن يخلع قميصه و يهبط إلى حمام السباحة مثلا ليسبح قليلا منفسا عن غضب- طريقة معروفة لديه مثلا و لها أهمية لديك – أنت وصفت أنه ألقى بجاكيت البدلة على مقعد بالمسبح و خلع قميصه بعنف و بنطاله ثم ارتدى ملابسا لسباحة و هبط يسبح قليلا ..

هل عرفت أين الخطأ ؟!

لقد نسيت -ككاتب – ذكر خلعه لرابطة العنق .. ربما تذكر أنه كان مرتديا رابطة عنق لكنك تبحث وراء الصفحات محاولا تذكر هل وصفت شكلها أم لا لكنك لا تجد المقطع -لأنه عادة ما يكون جملة أو اثنين فقط – فتكتب وصفا من عندك .. فيمكن أن تصفها مجددا بالمخططة و حينها لا مشكلة .. و ربما تصفها بلون واحد فقط فيها و حينها تصير مشكلة .. المشكلة أن أخطاء كتلك واردة بصورة كبيرة .. نحن – الكتاب – بشر .. نخطئ .. كذلك نحن – الكتاب – نكتب الرواية على مدار فترة زمنية طويلة .. لكن القارئ – وهو بشر كذلك – يقرأ الرواية على مدار عدة ساعات على دفعة واحدة .. و إن أعجبته الرواية سيعيد قرائتها مرات و مرات .. مدققا في كل كلمة تقولها .. ربما لا ينتبه لخطأ رابطة العنق تلك في البداية .. ربما ينتبه إليه في إعادة القراءة .. وربما ينتبه إليها في البداية .. لأن الفارق بين الصفحة التي تم ذكر فيها شكل رابطة العنق و صفحة الخطأ استغرقت منك – ككاتب – ما يزيد عن أسبوع للكتابة في حين لم تستغرق للقارئ أكثر من عدة دقائق بسيطة ..

كيف أتجنب هذه الأخطاء قدر المستطاع ؟

عن نفسي تعرضت لمثل هذه الأخطاء و كما نقول جُرحت منها كثيرا .. أنا أنشر تباعا ما أكتبه على الشبكة فورا .. طبعا هذا فيه مخاطرة و تحدي لكنه يمنحني فرصة كبيرة لمعرفة آراء القراء .. لكن حينما كنت أخطئ كانوا ينتبهون للأخطاء تلك على الفور .. لهذا مرة بعد مرة وجدت أن أسلم طريقة هي الطريقة التالية :

صفحة الشخصيات .

ربما نسيت أن أخبركم أننا – ككتاب – نقوم بعمل صفحات خاصة أو ملفات لكل شخصية .. نقوم فيها بكتابة تفاصيل الشخصية و أهم النقاط عنها .. و بعض الإضافات الأخرى .. فمثلا لدي ملف لشخصية رانمارو فيه كافة المعلومات المتعلقة به .. و ملف آخر لنفس الشخصية فيه معلومات أخرى .. ما هو الملف الثاني ؟

وجدت أن أفضل طريقة على الإطلاق كي لا أنسى مجددا أي شيء هو أنني حين أكتب شيء متعلق بوصف معين .. متعلق بأمر على البطل ان يقوم به قاله وسط حوار عادي لم يكن يمثل أهمية – المهمة تلك – حينها لكن كان هناك هدف آخر من وراء الحوار .. أمثلة كثيرة قد أنسى – ككاتب – أنني قد تحدثت عنها من قبل .. لهذا أقوم ببساطة بعمل نسخة لهذه المقاطع .. مثلا مقطع خاص برانمارو في روايتي اقتبسته كالتالي :

جيد , فلتبحث إذا في كتب التعاويذ القديمة , تلك المكتوبة بلغة أهل الكويو أنفسهم , ابحث و ابحث , حينما يأتيك الطائر الرمادي في حلمك الأزرق , ما ستسمعه هو تعويذتك , فاحفظها ولا تخبرها لأحد حتى تأتيني و تفعلها معي ..

كان هذا المقطع ببساطة في أخر لحظات أحد اللقاءات الخاصة بين رانمارو ووحشه .. حينها نسيت هذا المقطع و أخذت أبحث و أبحث عنه حتى وجدته بصعوبة .. و لهذا حفظته عندي كي لا أنسى أن الطريقة الخاصة لمعرفة التعويذة المهمة في منطقة معينة تالية من الرواية قد ذكرتها سابقا في هذا المقطع .. و مثلا لشخصية أخرى اسمها هارونا في أحد لقاءاتها مع وحشها أثناء التدريب :

, أما هارونا , فقد سارت نحو وحشها , ثم قالت له :

–أريد منك سيدي أن تخبرني عن تعويذتي الخاصة بفارسي الأسطوري !

ابتسم الدب , ثم قال :

–أنتِ تعرفين أنكِ مميزة عن الجميع !

ضيقت هارونا من عينيها و قالت :

–وماذا تعني بذلك سيدي ؟!

ظل الدب مبتسما وهو يجيبها قائلا :

–لا عليكي , ستعرفين كل شيء في وقته , لكن عن التعويذة فسأخبرك إياها , وهي (أومني كيشي )

هذا المقطع كذلك كان وسط أحداث مهمة للغاية طغت على الحديث .. لكن يجب أن أضع في حسباني أن هناك تعويذة يجب التحضير لها و جعلها مميزة ..

أشياء كهذه و أكثر ستقابلنا – ككتاب – كثيرا في مرحلة الكتابة .. إن قمنا بكتابتها في ملف الشخصية الرئيسي فصدقني سيكون لديك ملف مكون من عشرات الصفحات للشخصية و لكنك لا تعرف أي الأمور هي من سمات الشخصية و أيها من الأمور التي تم ذكرها من قبل و عليك أن تراعيها , كذلك أنا لا أقوم باقتباس المقاطع فقط بل أقوم بالثرثرة حولها و عم أنتوي الفعل بها و فيها .. و في كل فترة أراجع تلك المقاطع و أزيد و أحذف و أعدل فيها ما يتناسب و رؤيتي للرواية في تلك اللحظة .. لهذا من الأفضل فتح ملفين لكل شخصية .. بالنسبة لي هذا الأمر قد نجح معي .. و لا أدري هل سينجح معكم أم لا .. لكني أتمنى أن ينجح ..

بالطبع الأخطاء ليست بمثل بساطة لون رابطة العنق .. ربما تجعل شخصية يتيمة في فصل و بعدها بعدة فصول تجعلها تتصل بوالدتها .. ربما تجعل شخصا أصلع في فصل و تجعله في فصل آخر يهذب شعره أمام المرآة حين يحادث شخصية أخرى حول حوار مهم لك .. قد تكون الأخطاء قاتلة .. أكثر وضوحا .. لكنك ببساطة لا تركز فيها لوجود أمور أكثر أهمية تشغلك حين ذكرتها و حين تعيد ذكرها بصورة خاطئة فيما بعد ..

ربما تأخذ الملاحظات تلك أثناء عملية الكتابة .. ربما بعدما تفرغ منها .. ربما حين تراجع الفصل ثاني يوم قبل كتابة فصل جديد .. ربما حين تراجع الرواية كل فترة – وهذا أمر مهم بالطبع لمعرفة نمط سيرك و مستواك في الرواية ككل .. نظرة كلية أقصد – و ربما تجعل من يقرؤون لك ينبهوك للأخطاء الصغيرة التي تفلت من بين أصابعك .. فقط لا تتكاسل عن اتباع أي طريقة ممكنة لتجنب الوقوع في هذه الأخطاء الدقيقة .. فهي مهمة .. مهمة للغاية ..

ماذا تفعل حين تجد مثل تلك الأخطاء ؟

تخيل نفسك أمام مثال رابطة العنق .. هل ستجعلها ذات لون واحد أم مخططة ؟ هل ستمضي على فكرك الأول أم على تفكيرك الثاني ؟ خيار كهذا هنا غير مهم .. لكن في مناطق أخرى تجد نفسك أمام خيارات يجب حسمها فورا .. لكل نقطة مميزاتها و عيوبها .. و من هذا المنطلق عليك أن تختار الأنسب من بين الاثنين لروايتك .. و أي ما كان قرارك يجب أن تثق فيه و تتحمل نتائجه مهما كان .. لا تجعل شعور التردد يحرقك و يشغلك بأمور أقل من أمور أخرى كثيرة و أكثر أهمية ..

لكن هل هذا كل شيء ؟

بالطبع لا ..

تخيل معي أنك توقفت قليلا .. أنت تناقش رواية إجتماعية في شخصية بطلك مثلا .. هذا اللعوب الذي لا يريد أن يعترف بحبه لمعشوقته .. فتريد مثلا أن تجعلها تبتعد عنه .. كيف ؟

ماذا إن قلت أنك فكرت و قررت أن تبقي على هذا الخطأ .. ربما اختفاء رابطة العنق أو ربما تبديلها .. حينها بعد فترة بسيطة سيحضر زوج العشيقة لمكتبك و يهاجمك لأنه وجد ببساطة رابطة عنقك – والتي يعرفها طبعا لأنه جارك او صديق لك – و يتيقن من هذا حين يجد رابطة عنقه على رقبتك .. مشاكل فمشاكل فصراع فتأزم .. أرأيت .. كيف يمكن تحويل خطأ بسيط لعامل إيجابي بالرواية ؟ ” بالطبع هذا مثال صغير بالتأكيد “

كذلك التأثير الآخر هو تحول القراء لنظرة إعجاب .. حيث منذ قليل موطن الضعف الذي رأوه و أخذوه عليك وجدوه مقصودا .. بل و موطن قوة للأحداث و مهم للغاية .. حينها سيعرفون أنه ربما حتى الأخطاء التي قد تبدو لهم ليست مجرد أخطاء .. إنما هي أمور مقصودة منك ..

جاء في عقلي خاطر هام للغاية ..

ماذا يحدث إن لم يتقبل قارئك العالم ؟

ببساطة تفشل الرواية ! يضيع مجهودك و تعبك ! تصبح بلا فائدة في عالم الأدب الروائي ..

وكيف لا يتقبل القارئ عالمي ؟

الأمر ليس ببساطة القول : العالم الفانتازي عالم مغاير تماما عن العالم الواقعي .. فبالنظر لصورة أعمق قليلا سنجد أن القارئ من السهل عليه تقبل النماذج التقليدية للأمور الخاصة بالفانتازيا و كذلك الخيال العلمي .. فمثلا يكفي أن تقول ” ظهر تنين ” ليتخيل القارئ تنين يظهر فعلا .. لكن حين تقول ” ظهر رينتارورا ” حينها سيقول القارئ ” مهلا .. ما هو الرينتارور ؟ ” .. فماذا إن لم تشرحه لقارئك جيدا ؟ لن يتقبله القارئ ببساطة لأنك لم تقدر على إيصال الفكرة له ..

مجددا .. نحن – الكتاب – مهمتنا هي توصيل ما نتخيله و نراه في عقولنا إلى قارئنا .. هذا يتم عبر رحلة طويلة من الكلمات المنثورة على الصفحات البيضاء .. لن تكون بجوار قارئك لتفهمه ما لم يفهمه .. لهذا ضع تفصيلات جيدة لكل شيء خاصة الجديد من الأشياء في عالمك أمام قارئك كي يقتنع و يفهم و يتخيل .. بالطبع الحديث عن كيفية عرض المعلومات ذكرته سابقا و لن أعيده هنا منعا لملل .. وهي مهمة أخرى صعبة بالمناسبة ..

الأمر لا يقف عند حاجز بناء العوالم فقط .. بل يتعداها نحو الأمور التي صارت محط اهتمام بالغ هذه الأيام .. فمثلا إن ابتكرت لعبة جديدة – كالتي ابتكرتها رولنج و التي ابتكرتها أنا – دون أن تعطي التفاصيل الخاصة باللعبة جيدا لقارئك فلا فائدة من وجودها من الأساس .. ولكي تعطي تلك التفاصيل يجب أن تكون أنت نفسك على علم بتفاصيل أكبر منها و أعمق .. كلما فكرت و خططت أعمق كلما صارت روايتك أفضل ..

الملحوظة الأخيرة هي ألا تسهب في الوصف .. وألا تصف شيئا مرة واحدة .. و ألا تصف شيئا قد تم وصفه من قبل في روايات سابقة ” كالتنانين مثلا ” .. احتفظ بصبر قارئك للأماكن المهمة و لا تستهلكه في أماكن سخيفة

2021/09/18 · 431 مشاهدة · 7845 كلمة
نادي الروايات - 2024